- - - - - - :: نحو جيل (الطفل المعجزة) .. دراسة تحليلية :: - - - - - -
ما هو السر في القدرات الخارقة لهؤلاء الأطفال؟..
هل باليد حيلة؟..
أم هو أمر راجع بتمامه لله جلت قدرته؟..
{ إهداء:-إلى من سكن في أعماق روحي والقلب ..
إلى من سَلَبَ مني اللب والعقل ..
إلى من جل عن البيان وبَعُد عن الوصف ..
إليك يا حبيبي .. يا رسول الله .. يا محمد
جاءَتْ تزُفُّــــــــــكَ لِلْـــــــــوجُـود بَشـائِـرٌُ *** يَـــــــــا كَوْنُ ، قَـد وُلِدَ النبي محمد [1] { مقدمة:-"الطفل المعجزة" .. عبارة تتكرر على مسامعنا في سنواتنا الأخيرة .. رأت هذه العبارة وجه الصبح مع شروق شمس "السيد محمد حسين الطباطبائي" ليبدأ بذلك عصر "الطفل المعجزة".
وتتوالى الأيام وهاهي العبارة تتكرر في أطفال آخرين كالطفل محمد حسين رنكبست من إيران وعبدالله الشقاق من الأحساء .. ومع سماع هذه الأسماء، يقتحم سؤالٌ عالم الذهن ليبحث عن "السر" فينادي: ما هو السر في القدرات الخارقة لهؤلاء الأطفال؟.. هل باليد حيلة؟.. أم هو أمر راجع بتمامه لله جلت قدرته؟..
دعونا نعِش مع كلمات هؤلاء الأطفال لنعرف كيف أصبحوا "معجزة"، وفي الوقت نفسه نعرض ما تقدمه مدرسة محمد وآل محمد في هذا الباب .. وسيكون البحث مقسماً إلى ثلاث مراحل رئيسية: مرحلة ما قبل الولادة، مرحلة ما بعد الولادة، ومرحلة الاكتشاف.
{ مرحلة ما قبل الولادة:-ينقل على لسان الحاج فاضل والد الطفل عبدالله الشقاق بأن ابنه: "
استمع للقرآن الكريم تسع مرات وهو في بطن أمه مما جعل القرآن يذوب في عروقه ودمه"
[2] .. وبالتالي فإن هناك عوامل قبل الولادة ساهمت مع البذرة الطيبة في إنتاج هذه الثمرة اليانعة.
فتراث أهل البيت يثبت أن هناك أثر لبعض ممارسات الوالدين على ولدهما قبل وأثناء الحمل .. فهذا رسول الله يروى عنه أنه قال للأمير :
يا عليّ! إذا حملتْ امرأتك فلا تجامعها إلاّ وأنت على وضوء، فإنّه إن قضي بينكما ولدٌ يكون أعمى القلب بخيل اليد [3] .. وفي موضع آخر يقول :
وكرّه للرجل – أي الله تبارك وتعالى - أن يغشى امرأته وهي حائض، فإن غشيها وخرج الولد مجذوماً أو أبرص، فلا يلومنّ إلا نفسه [4] .. وأجلى المصاديق لإثبات هذا الأثر هي السيدة الزهراء عليها السلام، فعن أبي جعفر(ع) عن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله! إنك تلثم فاطمة وتلزمها وتدنيها منك، وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟ فقال:
إن جبرائيل أتاني بتفاحة من تفاح الجنة، فأكلتها فتحوّلت ماء في صلبي، ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة .. فأنا أشم منها رائحة الجنة [5] .. فنلاحظ أولاً الأخذ بالعوامل المادية – طيب المأكل وهي التفاحة – وثانياً أثر هذا العامل الطيب على تلك الكوثر الطيب السيدة الزهراء عليها السلام..
فمن العوامل المهمة في مرحلة ما قبل الولادة التسمية عند الجماع .. كما نعلم بأن لكل بيت باب، ومن يدخل البيت من غير بابه فهو سارق .. وفي عالم ما قبل الولادة، تأتي البسملة كما عودتنا في الصدارة لتكون مفتاح باب بيت البركة، ولتفيض على الطفل سرها المكنون وخيرها الميمون .. فعن الإمام الصادق أنه قال:
إنّ الرجل إذا أتى المرأة، وجلس مجلسه، حضره الشيطان، فإن هو ذكر اسم الله تنحّى الشيطان عنه، وإن فعل ولم يسمِّ أدخل الشيطان ذكَره، فكان العمل منهما جميعاً، والنطفة واحدةٌ [6] .. فأنى لمن شرك الشيطان في نطفته أن يكون "طفلاً معجزة"؟!..
[7] والملاحظ لآيات الدعاء في القرآن الكريم يستنتج العامل الثاني وهو طلب الصالحين من الله عز وجل الذرية الطيبة من خلال الدعاء .. فهذا نبي الله زكريا (ع) يدعو ويقول في دعائه:
رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء [8] ، وهذا نبي الله إبراهيم يدعو ويقول في دعائه:
رب هب لي من الصالحين [9] .. يقول العلامة الطباطبائي في تفسيره في حق السيدة مريم عليها السلام: "
فقد تبين أن اصطفاء مريم و تطهيرها إنما هما استجابة لدعوة أمها"
[10] وذلك في قوله تعلى: (
إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وقوله تعالى: (
وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)
[11] [12] [13] { فترة الحمل:-ينقل على لسان الحاج فاضل الشقاق: "
إن فضل الملكة الإلهية التي حظي الطفل الشقاق تعود إلى والدته التي شرعت بتلاوة جزء كامل من القرآن في كل يوم منذ اليوم الأول من حمله له، أي أنه استمع للقرآن الكريم تسع مرات وهو في بطن أمه مما جعل القرآن يذوب في عروقه ودمه"
[14] .. وفي موضع آخر: "
وفي الشهر الرابع بدأ هو ووالدته بزيادة معدل القراءة إلى جزئين واستمر الوضع على هذا المنوال إلى فترة الولادة، إلى جانب قراءة موروثات أهل البيت من أدعية يومية وزيارات ومستحبات مع التزام والدته بالطهارة في جميع الأوقات"
[15] [16] وهاهي عبارات الحاج فاضل تؤكد ما بدأنا به من أن عوامل ما قبل الولادة لها تأثير على الطفل، وتوضح أيضاً خطأ ظن من يظن بأن تلقي الطفل يبدأ بعد ولادته .. فالواقع هو أن الطفل يتلقى مذ هو جنين في بطن أمه، وتكون الأم هي مصدر كل ما يتلقاه.. فحالة الأم الجسدية والنفسية وكل ما يدخل في جوفها من مأكول و مشروب و مسموع و مرئي يكون للطفل نصيب فيه.. فهذا علم أهل البيت يثبت ذلك من خلال مضمون قوله : (
الشقي من شقي في بطن أمّه، والسعيد من سعد في بطن أمه)
[17] .. وكذلك العلم الحديث يثبت ذلك، فالدكتور فاخر عاقل يقول أن: "
الاضطرابات العصبية للأم توجه ضربات قاسية إلى مواهب الجنين قبل تولده، إلى درجة أنها تحوله إلى موجود عصبي لا أكثر، ومن هنا يجب أن نتوصل إلى مدى أهمية التفات الأم في دور الحمل إلى الابتعاد عن الأفكار المقلقة، والهمّ والغمّ، والاحتفاظ بجو الهدوء والاستقرار"
[18] .. ولذلك فإن أبوي الشقاق أحسنوا اختيار ما يتلقاه طفلهما.. فأي شيء هو خير من كتاب الله؟
[19] { مرحلة ما بعد الولادة:-بعد أن يفتح الطفل عينيه على هذه الدنيا، تبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة التلقي المستقل.. فالطفل الآن يستقل عن أمه في تلقي مأكله ومشربه ومسموعه ومرئيه، ولكن .. يكون حاله كالحال التي أجاد الأمير (ع) وصفها بقوله لابنه الحسن (ع) : (
وإنّما قلب الحدث كالأرض الخاليةَ ما أُلقي فيها من شيء إلا قبلته)
[20] [21] { البيئة:-فالطفل أرض خصبة تتلقى كل ما يلقى فيها، ولذلك فإن أول عامل مؤثر في الطفل بعد الولادة هما الوالدان نفسيهما .. سلوك الوالدين وما يشتغل به الوالدان يحدد شخصية الطفل.. السيد محمد حسين الطباطبائي يقول:
"فأنا حسيني الأب والأم وكلاهما من حفاظ ومدرسي القرآن الكريم"
[22] .. كون الوالدين من حفاظ القرآن الكريم – أي أن القرآن الكريم ملازم لهما – انعكس أثر ذلك على طفليهما.. وهذا فعلاً ما حدث.. فكما يروى عن قصة هذا السيد: "كانت والدته المؤمنة تصطحبه معها في جلسات لحفظ القران الكريم حينها لم يكن تجاوز السنتين, وكانت وقتها تحفظ الجزء الثلاثين من القران الكريم" .. وفي موضع آخر: "
والذي ساعد ابني هو أنني في البيت مع زوجتي وأطفالي نردد القران في الصباح والمساء, وإن سكتنا نسمعه من المسجل أو التلفزيون فكيف لا يحفظ القران طفل مثل علم الهدى؟"
[23] وهذا ما عمله والدي الطفل عبدالله الشقاق، فمما ينقل على لسان الحاج فاضل: "
وبعد الولادة تم عمل المستحبات من أذان وإقامة ومن عقيقة ومن تصدق وغيرها من المستحبات المنصوص عليها، وبعد أربعين يوما من ولادته بدؤوا بقراءة جزء من القرآن يوميا بالقرب من أذنه إلى أن بدأ يتكلم"
[24] .. وهذا التلقي التام هو ما يقره العلم الحديث، فالدكتور سپوك يقول: (
بين العمر الثالث والعمر السادس يحاول تقليد الأبوين في كلِّ شيء فإذا حدّثاه عن الله فانه يؤمن بالصورة التي تحددها كلماتهما عن الله حرفياً)
[25] { مرحلة الاكتشاف:-بعد أن يصبح الطفل قادراً على الحركة والكلام، تبدأ من هنا مرحلة الاكتشاف.. فالطفل في هذه المرحلة يترجم ما تلقاه ذهنياً إلى حركات خارجية.. من خلال هذه الترجمة، يستطيع الوالدان اكتشاف قدرات الطفل..
وقصة السيد الطباطبائي مثال واقعي لهذا الكلام.. فكما يروى بأنه "كانت والدته المؤمنة تصطحبه معها في جلسات لحفظ القران الكريم حينها لم يكن تجاوز السنتين , وكانت وقتها تحفظ الجزء الثلاثين من القران الكريم عادت في احد الأيام للبيت وكان محمد يلعب ويردد شيئا, أراد والده أن يسمع ما الذي يقوله بهذا الاهتمام , فأستغرب كثيرا عندما علم انه يردد الجزء الثلاثين من القران الكريم و ذهب إلى زوجته متسائلا منذ متى وأنتِ تحفظينه الجزء الثلاثين من القران الكريم ؟ استغربت الزوجة قائله لم أحاول في ذلك, فذهب حينها الوالد إليه مرة أخرى وحاول أن يمتحنه بالجزء الثلاثين فعلم انه يحفظه بشكل جيد.. حينها علم إن لولده ذو السنتين قابليه لحفظ القران , فرح كثيرا وبدا معه مشوار حفظ القران.. وعندما وصل إلى سن الخامسة كان محمد حسين قد أكمل حفظ القران الكريم"
[26] وأعتقد أن مسألة الاكتشاف لا تتعلق بالحفظ فقط بل قدرة الفهم وقدرة الابتكار لدى الطفل ينبغي أن تأخذا في الاعتبار .. وأفضل وقت لاكتشاف قدرات الطفل هو وقت اللعب وسيأتي الكلام حول ذلك لاحقاً إن شاء الله.
{ البرنامج والأسلوب المناسبان:-وهاهي الأم تكتشف أن فرخها الصغير يمتلك القدرة على التحليق للأفق .. للأفق البعيد، ولكن .. أي السبيل لذلك أنجح؟..
ينقل على لسان الطفل الشقاق: "
الفضل في حفظه القرآن يعود إلى البرنامج الذي اتخذه والداه من فترة الحمل و حتى بعد الولادة و الذي اعتمد على ترديد الآيات و تكرارها"
[27] ويقول والد الطفل السيد محمد حسين: "
السيد محمد حسين في البيت دائماً يتكلم بلغة القرآن .. يستفيد من الآيات القرآنية في مكالماته اليومية من والده، والدته، أخته، أخيه .. دائماً يستفيد من الآيات القرآنية"
[28] ويقول السيد الطباطبائي في مقابلة أجريت له:
"إضافة إلى ما ألهمه الله لهما بتعليمي طريقة جديدة في الحفظ وهي الإشارة.. كما أن التكرار المستمر له الأثر البالغ في الحفظ"
[29] فأهمية الأسلوب تكمن في أنه يختصر المسافات الطويلة في مسافات قصيرة ويدخر الجهد الكبير في جهد قليل .. وملاءمة الأسلوب تعتمد على حجم قدرات الطفل ونوعها وعلى هذا الأساس، يكون اختيار الأسلوب المناسب.
{ القدوة الحسنة:-"ويرى بعض علماء النفس الحاجة إلى تصور المثل الأعلى لدى كل إنسان وهي حاجة ضرورية"
[30] .. فأول قدوة لدى الطفل هما والداه، فالطفل يثق بوالديه والطفل يرى وجوده في والديه ولأجل ذلك ذكرت بأن أهم عامل مؤثر فيه هما الوالدان نفسيهما .. وقصة السيد الطباطبائي وضحت أثر القدوة وأثر بيئة القدوة عليه..
ولذلك بعد أن تنفتح عين الطفل على المحيط الخارجي ويتسع أفقه إلى ما وراء الأسرة – أي أن ذلك في المراحل المتأخرة من الطفولة -، على الوالدين أن يربطاه بمن يرونه قدوة حسنة.. فوجود هذا المثل الأعلى وهذه القدوة يوضح الطريق ويحدد المسار للطفل.. فكما كان للسيد الطباطبائي أثر على الحاج فاضل حيث جعله قدوة في هذا الجانب .. يقول الحاج: "
هذا الوضع لم يأت صدفة بل مخطط له من السابق وأن ما شجعه على ذلك هو ولعه قبل زواجه بالحافظ لكتاب الله المقرئ الإيراني الفتى السيد محمد حسين الطباطبائي بالاستفادة من بعض الأمور لتهيئة الوضع ليصل إلى ما وصل إليه الآن"
[31] ، بنفس الطريقة نجعل للطفل قدوة يقتدي بها ويسير على نهجها (ولكن مع اختلاف المؤثر بين الكبار والصغار)
[32] ..
{ خصوصية القرآن:-مهما كان حجم قدرات الطفل ومهما كان نوعها، فإن ربط الطفل بالقرآن يبقى أمراً ضرورياً.. أعتقد اعتقاداً جازماً بأن السر الحقيقي والعامل الأكبر في (إعجاز) هؤلاء الأطفال هو ربطهم وارتباطهم بالقرآن الكريم..
فالقرآن مصدر خير ليس على الطفل فقط بل على البيت كله .. يقول خير الخلق (ص) :
اجعلوا لبيوتكم نصيباً من القرآن، فإنّ البيت إذا قرئ فيه يسّر على أهله، وكثُر خيره، وكان سكّانه في زيادة، وإذا لم يُقرأ فيه القرآن ضُيّق على أهله، وقلّ خيره، وكان سكّانه في نقصان [33] .. والقرآن من أهم العوامل لزيادة قدرة الحفظ.. يقول :
يا عليّ! ثلاث يزدن في الحفظ ويذهبن السقم: اللبان والسواك وقراءة القرآن [34] .. وكما قال الأمير : "
إنّ القرآن ظاهره أنيق، و باطنه عميق، لا تفنى عجائبه، و لا تنقضي غرائبه، و لا تكشف الظّلمات إلاّ به"
[35] ، فهذه إحدى عجائب كتاب الله الكريم ..
ونلاحظ أيضاً أن الجامع لكل هؤلاء الأطفال هو القرآن الكريم.. فالسيد الطباطبائي حافظ ومحاضر والسيد رنكبست حافظ وخطيب والعبقري ابن سينا حافظ (من صغره كذلك) وفيلسوف وطبيب..
ولا ننسى أخيراً بأن تعلم القرآن حق من حقوق الولد على والده ..
{ لعب الطفل:-- حرية اللعب:-يقول الحاج فاضل: "
وبالنسبة لحياة عبدالله قال إنه يعيش حياته كأي طفل ويمارس حركته الدائبة ويلعب باستمرار بل ربما يزيد في حركته عن بقية الأطفال"
[36] "
اللعب استعداد فطري عند الطفل يتم من خلاله التخلّص من الطاقة الزائدة"
[37] .. ففي أثناء اللعب، يعيش الطفل حريته ويعبر عما في مشاعره متناسياً خشية الكبار.. وأهمية اللعب تكمن في أنه:-
1. "مقدمة للعمل الجدي الهادف، وفيه يشعر الطفل بقدرته على التعامل مع الآخرين، وبمقدرته اللغوية والعقلية والجسدية"
[38] .
2. "وسيلة لفهم نفسيات الأطفال ، والوقوف على استعداداتهم ، ووسيلة لتعليمهم وتربيتهم اجتماعياً وخلقياً"
[39] ولأجل ما يوفره اللعب من الحرية وإبراز الطاقات والقدرات، فإن فترة اللعب هي أفضل فترة لاكتشاف الطفل ومعرفة قدراته.